فصل: أحكام الصّغير في العبادات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


الموسوعة الفقهية / الجزء السابع والعشرون

صَرُورة

التّعريف

1 - الصّرورة بصاد مهملة وبتخفيف الرّاء‏:‏ من لم يحجّ‏.‏

والمراد به في اصطلاح الفقهاء‏:‏ الشّخص الّذي لم يحجّ عن نفسه حجّة الإسلام، كما نصّ عليه أكثر الفقهاء‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ فهو أعمّ من المعنى اللّغويّ، لأنّه يشمل من لم يحجّ أصلاً، ومن حجّ عن غيره، أو عن نفسه نفلاً أو نذراً‏.‏

وقال بعض المالكيّة‏:‏ هو من لم يحجّ قطّ، وهذا هو المعنى اللّغويّ‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ سمّي بذلك، لأنّه صرَّ بنفسه عن إخراجها في الحجّ وكره الشّافعيّ وابن عقيل من الحنابلة تسمية من لم يحجّ صرورةً، لما روى ابن عبّاس - رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا صرورة في الإسلام» قال النّوويّ‏:‏ أي لا يبقى أحد في الإسلام بلا حجّ، ولا يحلّ لمستطيع تركه، فكراهة تسمية من لم يحجّ صرورةً، واستدلالهم بهذا الحديث فيه نظر، لأنّه ليس في الحديث تعرّض للنّهي عن ذلك‏.‏

الحكم الإجمالي

2 - ذكر الفقهاء في بحث الحجّ‏:‏ أنّ الحجّ من العبادات البدنيّة والماليّة معاً، فيقبل النّيابة في الجملة‏.‏

ثمّ فصّلوا بين حجّ الفرض وحجّ النّفل، وبيّنوا شروط الحجّ عن الغير، كما بيّنوا شروط الآمر والمأمور أي النّائب، وهل يصحّ الحجّ عن الغير من قبل من لم يحجّ عن نفسه حجّة الإسلام، وهو المسمّى بصرورة أم لا‏؟‏ وهل يصحّ أخذ الأجرة في ذلك‏؟‏ وبيانه فيما يلي‏:‏

أوّلاً‏:‏ نيابة الصّرورة في حجّة الإسلام

3 - يرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ من شروط النّائب في حجّة الإسلام أن يكون قد حجّ عن نفسه حجّة الإسلام، فليس للصّرورة أن يحجّ عن غيره، فإن فعل وقع إحرامه عن حجّة الإسلام لنفسه لما روى ابن عبّاس - رضي الله عنهما - «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول‏:‏ لبّيك عن شبرمة، قال‏:‏ من شبرمة‏؟‏ قال‏:‏ أخ لي أو قريب لي‏.‏ قال‏:‏ حججت عن نفسك‏؟‏ قال‏:‏ لا‏:‏ قال‏:‏ حجّ عن نفسك ثمّ حجّ عن شبرمة»‏.‏

وعلى ذلك‏:‏ فإن أحرم عن غيره وقع عن نفسه لا عن الغير، قال ابن قدامة‏:‏ إذا ثبت هذا فإنّ عليه ردّ ما أخذ من النّفقة، لأنّه لم يقع الحجّ عنه فأشبه ما لو لم يحجّ قال النّوويّ‏:‏ وبه قال ابن عبّاس - رضي الله عنهما - والأوزاعيّ وإسحاق‏.‏

وفي المغني‏:‏ قال أبو بكر عبد العزيز‏:‏ يقع الحجّ باطلاً، ولا يصحّ ذلك عنه ولا عن غيره، وروي ذلك عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما -‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا يشترط في النّائب أن يكون قد حجّ عن نفسه، فيصحّ حجّ الصّرورة، لكن الأفضل أن يكون قد حجّ عن نفسه حجّة الإسلام خروجاً عن الخلاف، فيكره عندهم حجّ الصّرورة‏.‏ وهل الكراهة تحريميّة أم تنزيهيّة‏؟‏ اختلفت عباراتهم‏.‏

وذكر ابن عابدين نقلاً عن الفتح‏:‏ والّذي يقتضيه النّظر‏:‏ أنّ حجّ الصّرورة عن غيره إن كان بعد تحقّق الوجوب عليه بملك الزّاد والرّاحلة والصّحّة فهو مكروه كراهة تحريم، لأنّه تضييق عليه في أوّل سني الإمكان فيأثم بتركه، وكذا لو تنفّل لنفسه، ومع ذلك يصحّ، لأنّ النّهي ليس لعين الحجّ المفعول، بل لغيره وهو الفوات إذ الموت في سنة غير نادر‏.‏ ثمّ نقل عن البحر قوله‏:‏ والحقّ أنّها تنزيهيّة على الآمر لقولهم‏:‏ والأفضل‏.‏‏.‏ إلخ، تحريميّة على الصّرورة، أي المأمور الّذي اجتمعت فيه شروط الحجّ، ولم يحجّ عن نفسه، لأنّه أثم بالتّأخير‏.‏ ا هـ‏.‏ ثمّ قال‏:‏ وهذا لا ينافي كلام الفتح، لأنّه في المأمور‏.‏

واستدلّ الحنفيّة بصحّة حجّ الصّرورة بإطلاق «قوله صلى الله عليه وسلم للخثعميّة‏:‏ حجّي عن أبيك» من غير استخبارها عن حجّها لنفسها قبل ذلك‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة عموم الخطاب، فيفيد جوازه عن الغير مطلقاً‏.‏ وحديث شبرمة يفيد استحباب تقديم حجّة نفسه، وبذلك يحصل الجمع‏.‏

أمّا المالكيّة‏:‏ فقد منعوا استنابة صحيح مستطيع في فرض لحجّة الإسلام أو حجّة منذورة‏.‏ قال الحطّاب‏:‏ لا خلاف في ذلك، والظّاهر أنّها لا تصحّ، وتفسخ إذا عثر عليها‏.‏ أمّا الصّرورة‏:‏ فيكره عندهم حجّه عن الغير‏.‏

ثانياً‏:‏ حكم الأجرة في حجّ الصّرورة

4 - صرّح الحنفيّة‏:‏ بعدم جواز أخذ الأجرة لمن يحجّ عن غيره، فلو استأجر رجلاً على أن يحجّ عنه بكذا لم يجز حجّه، وإنّما يقول‏:‏ أمرتك أن تحجّ عنّي بلا ذكر إجارة، وله نفقة المثل‏.‏

ونقل ابن عابدين عن الكفاية‏:‏ أنّه يقع الحجّ من المحجوج عنه في رواية الأصل عن أبي حنيفة‏.‏

وعدم جواز الأجرة في الحجّ هو الرّواية المشهورة عن أحمد - أيضاً - قال ابن قدامة في الصّرورة الّذي يحجّ عن غيره‏:‏ عليه ردّ ما أخذ من النّفقة، لأنّه لم يقع الحجّ عنه‏.‏ ومذهب المالكيّة‏:‏ الجواز مع الكراهة‏.‏

قال الدّسوقيّ‏:‏ لأنّه أخذ العوض عن العبادة، وليس ذلك من شيم أهل الخير‏.‏

وينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏حجّ ف /120‏)‏‏.‏

قال الشّيخ زكريّا الأنصاريّ‏:‏ ولا أجرة له - يعني للصّرورة - لأنّه لم ينتفع بما فعله‏.‏

صَرِيح

التّعريف

1 - الصّريح في اللّغة‏:‏ هو الّذي خلص من تعلّقات غيره، وهو مأخوذ من صرح الشّيء بالضّمّ صراحةً وصروحةً‏.‏

والعربيّ الصّريح‏:‏ هو خالص النّسب، والجمع صرحاء‏.‏

ويطلق الصّريح - أيضاً - على كلّ خالص، ومنه‏:‏ القول الصّريح‏:‏ وهو الّذي لا يفتقر إلى إضمار أو تأويل‏.‏

وصرّح بما في نفسه بالتّشديد‏:‏ أخلصه للمعنى المراد، أو أذهب عنه احتمالات المجاز والتّأويل‏.‏

وأمّا الصّريح في الاصطلاح‏:‏ فهو كما في التّعريفات‏:‏ اسم لكلام مكشوف المراد به بسبب كثرة الاستعمال حقيقةً كان أو مجازاً‏.‏

وذكر صاحب العناية‏:‏ أنّ الصّريح ما ظهر المراد به ظهوراً بيّناً بكثرة الاستعمال‏.‏

وذكر صاحب فتح القدير‏:‏ أنّ الصّريح ما غلب استعماله في معنى، بحيث يتبادر حقيقةً أو مجازاً‏.‏

وذكر السّيوطيّ في الأشباه‏:‏ أنّ الصّريح هو اللّفظ الموضوع لمعنىً لا يفهم منه غيره عند الإطلاق، ويقابله‏:‏ الكناية‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الكناية‏:‏

2 - الكناية في اللّغة‏:‏ أن يتكلّم بشيء يستدلّ به على المكنّى عنه كالرّفث والغائط، وهي اسم مأخوذ من كنّيت بكذا عن كذا من باب رمى‏.‏

وأمّا الكناية في الاصطلاح‏:‏ فهي كما في التّعريفات للجرجانيّ‏:‏ كلام استتر المراد منه بالاستعمال وإن كان معناه ظاهراً في اللّغة، سواء أكان المراد به الحقيقة أم المجاز‏.‏

وذكر صاحب فتح القدير‏:‏ أنّ الكناية ما خفي المراد به لتوارد الاحتمالات عليه بخلاف الصّريح‏.‏

والفرق بين الكناية وبين الصّريح‏:‏ أنّ الصّريح يدرك المراد منه بمجرّد النّطق به ولا يحتاج إلى النّيّة، بخلاف الكناية، فإنّ السّامع يتردّد فيها فيحتاج إلى النّيّة‏.‏

ب - التّعريض‏:‏

3 - وهو في اللّغة‏:‏ مأخوذ من عرضت له وعرّضت به تعريضاً‏:‏ إذا قلت قولاً وأنت تعنيه‏.‏ فالتّعريض خلاف التّصريح من القول، كما إذا سألت رجلاً‏:‏ هل رأيت فلاناً - وقد رآه، ويكره أن يكذب - فيقول‏:‏ إنّ فلاناً ليرى، فيجعل كلامه معراضاً فراراً من الكذب‏.‏

وذكر الجرجانيّ في التّعريفات‏:‏ أنّ التّعريض في الكلام ما يفهم به السّامع مراده من غير تصريح‏.‏

منشأ الصّريح

4 - مأخذ الصّريح‏:‏ هل هو ورود الشّرع به أو شهرة الاستعمال‏؟‏

قال السّيوطيّ‏:‏ فيه خلاف‏.‏ وقال السّبكيّ‏:‏ الّذي أقوله‏:‏ إنّها مراتب‏.‏

أحدها‏:‏ ما تكرّر قرآناً وسنّةً، مع الشّياع عند العلماء والعامّة، فهو صريح - قطعاً - كلفظ الطّلاق‏.‏

الثّانية‏:‏ المتكرّر غير الشّائع، كلفظ الفراق والسّراح، فيه خلاف‏.‏

الثّالثة‏:‏ الوارد غير الشّائع، كالافتداء، وفيه خلاف أيضاً‏.‏

الرّابعة‏:‏ وروده دون ورود الثّالثة، ولكنّه شائع على لسان حملة الشّرع كالخلع والمشهور‏:‏ أنّه صريح‏.‏

الخامسة‏:‏ ما لم يرد، ولم يشع عند العلماء، ولكنّه عند العامّة، مثل‏:‏ حلال اللّه عليّ حرام، والأصحّ أنّه كناية‏.‏

ما يتعلّق بالصّريح من القواعد الفقهيّة

5 - القاعدة الأولى‏:‏ الصّريح فيه معنى التّعبّد‏.‏

وذكر هذه القاعدة الزّركشيّ في المنثور، ولكون الصّريح فيه معنى التّعبّد فقد حصروه في مواضع‏:‏ كالطّلاق ونحوه، ومن ثمّ لو عمّ في ناحية استعمال الطّلاق في إرادة التّخلّص عن الوثاق ونحوه، فخاطبها الزّوج بالطّلاق، وقال‏:‏ أردت به ذلك - أي التّخلّص عن الوثاق - لم يقبل، لأنّ الاصطلاح الخاصّ لا يرفع العامّ‏.‏

6 - القاعدة الثّانية‏:‏ الصّريح يصير كنايةً بالقرائن اللّفظيّة‏.‏

وقد ذكر هذه القاعدة - أيضاً - الزّركشيّ في المنثور، ولهذا لو قال لزوجته‏:‏ أنت طالق من وثاق، أو فارقتك بالجسم، أو سرّحتك من اليد، أو إلى السّوق لم تطلق، فإنّ أوّل اللّفظ مرتبط بآخره، وهو يضاهي الاستثناء كما قال إمام الحرمين‏.‏

وممّا يعارض هذه القاعدة - كما ذكر الزّركشيّ في المنثور - قولهم‏:‏ إنّ السّؤال لا يلحق الكناية بالصّريح، إلاّ في مسألة واحدة، وهي ما لو قالت له زوجته - واسمها فاطمة‏:‏ طلّقني، فقال‏:‏ طلقت فاطمة، ثمّ قال‏:‏ نويت فاطمة أخرى طلقت، ولا يقبل لدلالة الحال، بخلاف ما لو قال ابتداءً‏:‏ طلقت فاطمة، ثمّ قال‏:‏ نويت أخرى‏.‏

7 - القاعدة الثّالثة‏:‏ الصّريح لا يحتاج إلى نيّة، والكناية لا تلزم إلاّ بنيّة‏:‏

وقد ذكر هذه القاعدة الزّركشيّ في المنثور، والسّيوطيّ في الأشباه‏.‏

ومعنى قولهم‏:‏ الصّريح لا يحتاج إلى نيّة‏:‏ أي نيّة الإيقاع، لأنّ اللّفظ موضوع له فاستغنى عن النّيّة، وأمّا قصد اللّفظ فيشترط لتخرج مسألة سبق اللّسان‏.‏

ومن هاهنا‏:‏ يفترق الصّريح والكناية، فالصّريح يشترط فيه أمر واحد وهو قصد اللّفظ، والكناية يشترط فيها أمران‏:‏ قصد اللّفظ، ونيّة الإيقاع وينبغي أن يقال‏:‏ أن يقصد حروف الطّلاق للمعنى الموضوع له، ليخرج‏:‏ أنت طالق من وثاق‏.‏

ويستثنى من قولهم الصّريح‏:‏ لا يحتاج إلى نيّة كما ذكر السّيوطيّ في الأشباه‏:‏ قصد المكره إيقاع الطّلاق، فإنّ فيه وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ لا يقع، لأنّ اللّفظ ساقط بالإكراه، والنّيّة لا تعمل وحدها‏.‏ والأصحّ‏:‏ يقع لقصده بلفظه‏.‏

وعلى هذا فصريح لفظ الطّلاق عند الإكراه كناية إن نوى وقع، وإلاّ فلا‏.‏

ويستثنى من قولهم‏:‏ الكناية تحتاج إلى نيّة ما إذا قيل له‏:‏ طلّقت‏؟‏ فقال‏:‏ نعم‏.‏ فقيل‏:‏ يلزمه وإن لم ينو طلاقاً‏.‏ وقيل‏:‏ يحتاج إلى نيّة‏.‏

8 - القاعدة الرّابعة‏:‏ الصّرائح تعمل بنفسها من غير استدعاء بلا خلاف‏.‏

وقد ذكر هذه القاعدة الزّركشيّ في المنثور، ويستثنى منها مسألة واحدة، وهي‏:‏ ما إذا قيل للكافر‏:‏ قل‏:‏ أشهد أن لا إله إلاّ اللّه‏.‏ فقالها حكم بإسلامه بلا خلاف، وإن قالها من غير استدعاء فوجهان‏:‏ أصحّهما يحكم بإسلامه‏.‏ ووجه المنع احتمال قصد الحكاية‏.‏

9 - القاعدة الخامسة‏:‏ كلّ ترجمة ‏"‏ عنوان ‏"‏ نصبت على باب من أبواب الشّريعة فالمشتقّ منها صريح بلا خلاف‏.‏

وقد ذكر هذه القاعدة الزّركشيّ في المنثور، والسّيوطيّ في الأشباه، ويستثنى منها الوضوء على وجه - والأصحّ فيه الصّحّة - والتّيمّم فإنّه لا يكفي فيه مجرّد النّيّة في الأصحّ، بل لا بدّ من ذكر الفرض‏.‏ والشّركة‏:‏ فإنّه لا يكفي فيها مجرّد‏:‏ اشتركنا‏.‏

والخلع‏:‏ فإنّه لا يكون صريحاً إلاّ بذكر المال‏.‏

10 - القاعدة السّادسة‏:‏ الصّريح في بابه إذا وجد نفاذاً في موضوعه لا يكون كنايةً في غيره، ومعنى وجد نفاذاً‏:‏ أي أمكن تنفيذه صريحاً‏.‏

وقد ذكر هذه القاعدة الزّركشيّ في المنثور، وذكرها السّيوطيّ في الأشباه‏.‏

ومن فروع هذه القاعدة‏:‏ الطّلاق، فإنّه لا يكون فسخاً أو ظهاراً بالنّيّة وبالعكس‏.‏

أي‏:‏ أنّ الظّهار لا يكون طلاقاً أو فسخاً بالنّيّة - أيضاً -، لأنّ كلّاً منهما صريح في بابه، ووجد نفاذاً في موضوعه، فلا يكون كنايةً في غيره‏.‏

ومن فروعها - أيضاً - ما لو قال في الإجارة‏:‏ بعتك منفعتها لم تصحّ، لأنّ البيع موضوع لملك الأعيان فلا يستعمل في المنافع، كما لا ينعقد البيع بلفظ الإجارة، ويستثنى من هذه القاعدة صور ذكرها الزّركشيّ في قواعده، وذكرها السّيوطيّ - أيضاً - في الأشباه نقلاً عن الزّركشيّ واعترض على بعضها وقال‏:‏ إنّها لا تستثنى، لأنّ الصّريح فيها لم يجد نفاذاً في موضوعه‏.‏ ومن هذه الصّور ما يأتي‏:‏

الأولى‏:‏ إذا جعلنا الخلع صريحاً في الفسخ، ففي كونه كنايةً في الطّلاق ينقص به العدد إذا نوياه وجهان‏:‏ أصحّهما من حيث النّقل يكون طلاقاً‏.‏

الثّانية‏:‏ لو قال لزوجته‏:‏ أنت عليّ حرام، ونوى الطّلاق وقع، مع أنّ التّحريم صريح في إيجاب الكفّارة‏.‏

الثّالثة‏:‏ لو قال‏:‏ بعتك نفسك بكذا‏.‏ وقالت‏:‏ اشتريت فكناية خلع‏.‏

وقال السّيوطيّ في الأشباه‏:‏ إنّ هذه الصّورة لا تستثنى، لأنّ البيع فيها لم يجد نفاذاً في موضوعه‏.‏

الرّابعة‏:‏ لو قال‏:‏ مالي طالق، فإن لم ينو الصّدقة لم يلزمه شيء‏.‏

وإن نوى صدقة ماله فوجهان‏:‏ أصحّهما يلزمه أن يقصد قربةً‏.‏

وعلى هذا‏:‏ فهل يلزمه أن يتصدّق بجميعه، أو يتخيّر بين الصّدقة وكفّارة يمين واحدة‏؟‏ وجهان‏.‏

وذكر السّيوطيّ في الأشباه‏:‏ أنّ هذه المسألة لا تستثنى - أيضاً - لأنّ الصّريح فيها لم يجد نفاذاً في موضوعه‏.‏

الخامسة‏:‏ أتى بلفظ الحوالة وقال‏:‏ أردت التّوكيل‏:‏ قبل عند الأكثرين‏.‏

السّادسة‏:‏ لو راجع بلفظ النّكاح، أو التّزويج فالأصحّ أنّه كناية تنفذ بالنّيّة لإشعاره بالمعنى‏.‏ السّابعة‏:‏ إذا قال من ثبت له الفسخ‏:‏ فسخت نكاحك وأطلق، أو نواه حصل الفسخ‏.‏

وإن نوى بالفسخ الطّلاق طلقت في الأصحّ‏.‏ وعلى هذا يكون الفسخ كنايةً في الطّلاق‏.‏

الثّامنة‏:‏ قال‏:‏ أعرتك حماري لتعيرني فرسك فإجارة فاسدة غير مضمونة، وهذا تصريح بأنّ الإعارة كناية في عقد الإجارة، والفساد إنّما جاء من اشتراط العاريّة في العقد‏.‏

الصّريح في أبواب الفقه

11 - قال السّيوطيّ في الأشباه‏:‏ اعلم أنّ الصّريح وقع في الأبواب كلّها، وكذا الكناية، إلاّ في الخطبة‏.‏ فلم يذكروا فيها كنايةً بل ذكروا التّعريض، ولا في النّكاح، فلم يذكروا الكناية للاتّفاق على عدم انعقاد النّكاح بالكناية،ووقع الصّريح والكناية والتّعريض جميعاً في القذف‏.‏

أ - البيع‏:‏

12 - صريح البيع في الإيجاب‏:‏ بعتك‏.‏ وفي القبول‏:‏ اشتريت وقبلت‏.‏

وقد اتّفق الفقهاء على أنّ البيع ينعقد بكلّ ما يدلّ على الرّضا من قول‏.‏

كما اتّفقوا - أيضاً - على أنّه ينعقد بلفظ الماضي، وفي انعقاده بغير لفظ الماضي، وبالفعل خلاف ينظر في مصطلح ‏(‏بيع ف - 10 - 21 - 22‏)‏‏.‏

ب - الوقف‏:‏

13 - من صريح لفظ الوقف عند الجمهور قول الشّخص‏:‏ وقفت، أو سبّلت، أو حبست كذا على كذا، لأنّ هذه الألفاظ ثبت لها عرف الاستعمال بين النّاس لهذا المعنى وانضمّ إلى ذلك عرف الشّرع بقول النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لعمر‏:‏ «إن شئت حبست أصلها وسبّلت ثمرتها» فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ التّطليق في الطّلاق‏.‏

وذهب بعض المالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ هذه الألفاظ من كنايات الوقف، كما ذهبوا إلى أنّ قوله‏:‏ تصدّقت، أو حرّمت، أو أبّدت هذا المال على فلان إذا قيّد بلفظة أخرى، كأن يقول‏:‏ تصدّقت صدقةً موقوفةً، أو محبّسةً، أو مسبّلةً، أو محرّمةً، أو مؤبّدةً، أو إذا وصف الصّدقة بصفات الوقف، كأن يقول‏:‏ تصدّقت صدقةً لا تباع ولا توهب ولا تورث تكون هذه الصّدقة وقفاً صريحاً بهذا القيد أو الوصف، أمّا إذا لم يقيّدها بهذا القيد، ولم يصفها بهذا الوصف فيكون الوقف كنايةً، فيرجع في ذلك إلى النّيّة‏.‏

وبهذا يتّضح أنّ الصّريح في الوقف ينقسم إلى‏:‏ صريح بنفسه، وصريح مع غيره، وهو نوع غريب لم يأت مثله إلاّ قليلاً كما ذكر السّيوطيّ في الأشباه نقلاً عن السّبكيّ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏وقف‏)‏‏.‏

ج - الهبة‏:‏

14 - اتّفق الفقهاء على أنّ قول المالك للموهوب له‏:‏ وهبتك، أو منحتك، أو أعطيتك أو ملّكتك، أو جعلت هذا الشّيء لك‏:‏ هو من صريح الهبة‏.‏

وأمّا إذا قال‏:‏ كسوتك هذا الثّوب، أو حملتك على هذه الدّابّة فكناية‏.‏

وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في باب الهبة‏.‏

د - الخِطبة‏:‏

15 - هي‏:‏ التماس نكاح امرأة، وتكون باللّفظ الصّريح أو بالتّعريض‏.‏

والمراد بالصّريح - هنا - التّعبير صراحةً عمّا في النّفس، وهو بخلاف التّعريض الّذي هو‏:‏ لفظ استعمل في معناه ليلوح بغيره‏.‏ فمن صريح الخطبة أن يقول‏:‏ أريد نكاحك إذا انقضت عدّتك، وأمّا قوله‏:‏ ربّ راغب فيك، من يجد مثلك‏؟‏ أنت جميلة، إذا حللت فآذنيني، لا تبقين أيّماً، لست بمرغوب عنك، إنّ اللّه سائق إليك خيراً‏:‏ فكلّه تعريض‏.‏

هـ - النّكاح‏:‏

16 - صريحه في الإيجاب لفظ‏:‏ التّزويج، والإنكاح‏.‏ وفي القبول‏:‏ قبلت نكاحها، أو تزويجها، أو تزوّجت، أو نكحت‏.‏ ثمّ إنّ النّكاح ينعقد بلفظ‏:‏ الإنكاح والتّزويج، والجواب عنهما إجماعاً وهما اللّذان ورد بها نصّ الكتاب في قوله سبحانه‏:‏ ‏{‏زَوَّجْنَاكَهَا‏}‏‏.‏

وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء‏}‏ وسواء اتّفقا من الجانبين، أو اختلفا مثل أن يقول‏:‏ زوّجتك بنتي هذه، فيقول‏:‏ قبلت هذا النّكاح، أو هذا التّزويج‏.‏

وفي انعقاده بغيرهما من الألفاظ كالهبة والصّدقة والبيع والتّمليك والإجارة - وهي من ألفاظ الكناية عند من يقول بها خلاف يذكره الفقهاء في النّكاح‏.‏

و - الخلع‏:‏

17 - ألفاظ الخلع تنقسم إلى‏:‏ صريح، وكناية، فالصّريح لفظ الخلع والمفاداة لورود المفاداة في القرآن الكريم‏.‏ وتفصيل الصّريح والكناية ينظر في مصطلح ‏(‏خلع‏)‏‏.‏

ز - الطّلاق‏:‏

18 - اتّفق الفقهاء على أنّ صريح الطّلاق هو لفظ الطّلاق ومشتقّاته، وكذلك ترجمته إلى اللّغات الأعجميّة، لأنّ الطّلاق وضع لحلّ قيد النّكاح خصّيصاً، ولا يحتمل غيره‏.‏

وذهب الشّافعيّة في المشهور، والخرقيّ من الحنابلة إلى أنّ لفظي‏:‏ الفراق والسّراح، وما تصرّف منهما من صريح الطّلاق لورودهما بمعنى الطّلاق في القرآن الكريم، فقد ورد لفظ الفراق في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً‏}‏ وفي قوله‏:‏ ‏{‏أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ وورد لفظ السّراح في آيات منها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏‏.‏

إلاّ أنّ الجمهور يرى أنّ لفظ الفراق، ولفظ السّراح ليسا من صريح الطّلاق، لأنّهما يستعملان في غير الطّلاق كثيراً، ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏ ولذلك فهما من كنايات الطّلاق‏.‏

ح - الظّهار‏:‏

19 - اتّفق الفقهاء على‏:‏ أنّ اللّفظ الصّريح في الظّهار هو أن يقول الرّجل لزوجته‏:‏ أنت عليّ كظهر أمّي لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ‏}‏‏.‏ ولحديث خولة امرأة أوس بن الصّامت، حيث قال لها زوجها أوس‏:‏

«أنت عليّ كظهر أمّي» وكذا قوله‏:‏ أنت عندي أو معي أو منّي كظهر أمّي‏.‏

وكذلك لو قال لزوجته‏:‏ جسمك أو بدنك أو جملتك أو نفسك عليّ كظهر أمّي‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ ما لو شبّه زوجته بظهر من تحرم عليه من النّساء حرمةً مؤبّدةً، كالجدّة والعمّة والخالة والأخت وابنتها وبنت الأخ فإنّه يكون - أيضاً - صريحاً في الظّهار عند الجمهور، وهو قول الشّافعيّ في الجديد وأحد قولي القديم، والقول الثّاني في القديم‏:‏ أنّه لا يكون ظهاراً للعدول عن المعهود، إذ اللّفظ الّذي ورد به القرآن مختصّ بالأمّ دون غيرها من المحارم‏.‏ وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في ‏(‏ظهار‏)‏‏.‏

ط - القذف‏:‏

20 - امتازت صيغة القذف عن غيرها من الصّيغ بمجيء الصّريح والكناية والتّعريض فيها، فالقذف الصّريح المتّفق على صراحته من قبل العلماء هو أن يقول لرجل‏:‏ زنيت، أو يا زاني، أو لامرأة‏:‏ زنيت، أو يا زانية فهذه الألفاظ لا تحتمل معنىً آخر غير القذف، ومثل ذلك اللّفظ المركّب من النّون والياء والكاف، وكذا كلّ لفظ صريح في الجماع فإنّه يكون قذفاً إذا انضمّ إليه وصف الحرمة، وكذا نفي الولد عن أبيه بقوله‏:‏ لست لأبيك‏.‏

ومن صريح القذف كما في الرّوضة‏:‏ الرّمي بالإصابة في الدّبر كقوله‏:‏ لطت، أو لاط بك فلان، سواء خوطب به رجل أو امرأة‏.‏ وأمّا الرّمي بإتيان البهائم فقد ذكر النّوويّ في الرّوضة أنّه قذف إن قلنا‏:‏ يوجب الحدّ، وإلاّ فلا‏.‏

وأمّا الكناية‏:‏ فكقوله للرّجل‏:‏ يا فاجر، وللمرأة‏:‏ يا خبيثة‏.‏

وأمّا التّعريض‏:‏ فكقوله‏:‏ أمّا أنا فلست بزان، وأمّي ليست بزانية‏.‏

وتفصيل ذلك محلّه ‏(‏قذف‏)‏‏.‏

ك - النّذر‏:‏

21 - اتّفق الفقهاء على أنّ قول الشّخص‏:‏ للّه عليّ نذر كذا من صريح النّذر واختلفوا في قوله‏:‏ للّه عليّ كذا دون ذكر لفظ النّذر، فذهب الجمهور إلى أنّه من صريح النّذر أيضاً، ويرى بعض الفقهاء ومنهم سعيد بن المسيّب والقاسم بن محمّد‏:‏ أنّه لا بدّ من ذكر لفظ النّذر، وأنّه لا يصحّ النّذر بدونه‏.‏ والتّفصيل يذكره الفقهاء في ‏(‏نذر‏)‏‏.‏

صَعِيد

انظر‏:‏ تيمّم‏.‏

صَغَائِر

التّعريف

1 - الصّغائر لغةً‏:‏ من صغر الشّيء فهو صغير وجمعه صغار، والصّغيرة صفة وجمعها صغار أيضاً، ولا تجمع على صغائر إلاّ في الذّنوب والآثام‏.‏

أمّا اصطلاحاً‏:‏ فقد اختلفت عبارات العلماء فيه فقال بعضهم‏:‏ الصّغيرة - من الذّنوب - هي كلّ ذنب لم يختم بلعنة أو غضب أو نار‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ الصّغيرة ما دون الحدّين حدّ الدّنيا، وحدّ الآخرة‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ الصّغيرة هي ما ليس فيها حدّ في الدّنيا ولا وعيد في الآخرة‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ الصّغيرة هي كلّ ما كره كراهة تحريم‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الكبائر‏:‏

2 - الكبيرة في اللّغة‏:‏ الإثم وجمعها كبائر‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ قال بعض العلماء‏:‏ هي ما كان حراماً محضاً، شرعت عليه عقوبة محضة، بنصّ قاطع في الدّنيا والآخرة‏.‏

وقيل‏:‏ إنّها ما يترتّب عليها حدّ، أو توعّد عليها بالنّار أو اللّعنة أو الغضب، وهذا أمثل الأقوال‏.‏

ب - اللّمم‏:‏

3 - واللَّمم - بفتحتين - مقاربة المعصية، وقيل‏:‏ هي الصّغائر، أو هي فعل الرّجل الصّغيرة ثمّ لا يعاودها، ويقال‏:‏ أَلمَّ بالذّنب فعله، وأَلمَّ بالشّيء قرب منه، ويعبّر به عن الصّغيرة‏.‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ‏}‏ وقال بعضهم‏:‏ اللّمم‏:‏ هو ما دون الزّنى الموجب للحدّ، من القبلة، والنّظرة‏.‏

وقال آخرون‏:‏ اللّمم هو صغائر الذّنوب‏.‏

حكم الصّغائر

4 - اختلف العلماء في انقسام الذّنوب إلى كبائر وصغائر‏.‏

فقال معظم علماء السّلف وجمهور الفقهاء‏:‏ إنّ الذّنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر، وأنّ الصّغائر تغفر باجتناب الكبائر لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ‏}‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الصّلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان‏:‏ مكفّرات ما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر»‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنّ الذّنوب والمعاصي كلّها كبائر، وإنّما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها‏.‏

فالمضاجعة مع الأجنبيّة كبيرة بالإضافة إلى النّظرة، صغيرة بالإضافة إلى الزّنى‏.‏ وقطع يد المسلم كبيرة بالإضافة إلى ضربه، صغيرة بالإضافة إلى قتله، كما صرّح الغزاليّ بذلك في الإحياء‏.‏

وقالوا‏:‏ لا ذنب عندنا يغفر باجتناب آخر، بل كلّ الذّنوب كبيرة، ومرتكبها في المشيئة، غير الكفر لقوله تعالى ‏{‏إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء‏}‏‏.‏ ولحديث أبي أمامة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب اللّه له النّار وحرّم عليه الجنّة، فقال له رجل‏:‏ يا رسول اللّه وإن كان شيئاً يسيراً‏؟‏ قال‏:‏ وإن قضيباً من أراك» فقد جاء الوعيد الشّديد على اليسير كما جاء على الكثير، وممّن ذهب إلى هذا القاضي أبو بكر الطّيّب وأبو إسحاق الإسفرايينيّ وأبو المعالي وعبد الرّحيم القشيريّ وغيرهم‏.‏

وذكر بعض العلماء أنواعاً من صغائر الذّنوب منها‏:‏ النّظر المحرّم، والقبلة، والغمزة، ولمس الأجنبيّة‏.‏

ومنها‏:‏ هجر المسلم فوق ثلاثة أيّام، وكثرة الخصومات إلاّ إن راعى فيها حقّ الشّرع‏.‏ ومنها‏:‏ الإشراف على بيوت النّاس، والجلوس بين الفسّاق إيناساً لهم، والغيبة لغير أهل العلم وحملة القرآن‏.‏

وقد تعظم الصّغائر من الذّنوب، فتصير كبيرةً لعدّة أسباب‏:‏

منها‏:‏ الإصرار والمواظبة‏.‏

ومنها‏:‏ أن يستصغر الذّنب‏.‏

ومنها‏:‏ السّرور بالصّغيرة والفرح والتّبجّح بها، واعتداد التّمكّن من ذلك نعمة، والغفلة عن كونه سبب الشّقاوة‏.‏

والتّفاصيل في‏:‏ مصطلح ‏(‏كبيرة، وشهادة، وعدالة، ومعصية‏)‏‏.‏

صِغَر

التّعريف

1 - الصّغر في اللّغة‏:‏ مأخوذ من صغر صغراً‏:‏ قلّ حجمه أو سنّه فهو صغير، والجمع‏:‏ صغار‏.‏ وفيه - أيضاً - الأصغر اسم تفضيل‏.‏

والصّغر ضدّ الكبر، والصّغارة خلاف الْعِظَم‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ هو وصف يلحق بالإنسان منذ مولده إلى بلوغه الحلم‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّبا‏:‏

2 - يطلق الصّبا على معان عدّة منها‏:‏ الصّغر والحداثة، والصّبيّ الصّغير دون الغلام، أو من لم يفطم بعد، وفي لسان العرب‏:‏ الصّبيّ منذ ولادته إلى أن يفطم‏.‏

وعلى هذا فالصّبا أخصّ من الصّغر‏.‏

ب - التّمييز‏:‏

3 - هو أن يصير للصّغير وعي وإدراك يفهم به الخطاب إجمالاً‏.‏

ج - المراهقة‏:‏

4 - الرّهَق‏:‏ جهل في الإنسان وخفّة في عقله‏.‏ يقال‏:‏ فيه رهق أي حدّة وخفّة‏.‏

وراهق الغلام‏:‏ قارب الحلم‏.‏

د - الرَّشَد‏:‏

5 - الرَّشَد‏:‏ أن يبلغ الصّبيّ حدّ التّكليف صالحاً في دينه مصلحاً لماله‏.‏

مراحل الصّغر‏:‏

6 - تنقسم مراحل الصّغر إلى مرحلتين‏:‏

أ - مرحلة عدم التّمييز‏.‏

ب - مرحلة التّمييز‏:‏

المرحلة الأولى‏:‏ عدم التّمييز‏:‏

7 - تبدأ هذه المرحلة منذ الولادة إلى التّمييز‏.‏

المرحلة الثّانية‏:‏ مرحلة التّمييز‏:‏

8 - تبدأ هذه المرحلة منذ قدرة الصّغير على التّمييز بين الأشياء، بمعنى‏:‏ أن يكون له إدراك يفرّق به بين النّفع والضّرر‏.‏

ويلاحظ‏:‏ أنّ التّمييز ليس له سنّ معيّنة يعرف بها، ولكن تدلّ على التّمييز أمارات التّفتّح والنّضوج، فقد يصل الطّفل إلى مرحلة التّمييز في سنّ مبكّرة، وقد يتأخّر إلى ما قبل البلوغ، وتنتهي هذه المرحلة بالبلوغ‏.‏

أهليّة الصّغير

تنقسم أهليّة الصّغير إلى قسمين‏:‏

أ - أهليّة وجوب‏.‏

ب - أهليّة أداءً‏.‏

أ - أهليّة الوجوب‏:‏

9 - هي صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه، ومناطها الإنسانيّة، ويستوي في ذلك الصّغير والكبير‏.‏

ب - أهليّة الأداء‏:‏

10 - هي صلاحية الإنسان لصدور الفعل عنه على وجه يعتدّ به شرعاً، ومناطها التّمييز‏.‏

أهليّة الصّغير المميّز‏:‏

11 - اختلف الفقهاء في مدى هذه الأهليّة، وتفصيل ذلك في‏:‏ مصطلح ‏(‏أهليّة‏)‏‏.‏

أحكام تتعلّق بالصّغير

أوّلاً‏:‏ التّأذين في أذن المولود

12 - يستحبّ الأذان في أذن المولود اليمنى، والإقامة في أذنه اليسرى، لما روى أبو رافع أنّه قال‏:‏ «رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أذّن في أذن الحسين بن عليّ حين ولدته فاطمة» انظر مصطلح ‏(‏أذان‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ تحنيك المولود

13 - يستحبّ تحنيك المولود، والتّحنيك‏:‏ هو دلك حنك المولود بتمرة ممضوغة، ومن الأحاديث الّتي استدلّ بها الفقهاء على استحباب التّحنيك، ما روى أنس «أنّ أمّ سليم ولدت غلاماً، قال‏:‏ فقال لي أبو طلحة‏:‏ احفظه حتّى تأتي به النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فأتيته به - وأرسل معي بتمرات - فأخذها النّبيّ صلى الله عليه وسلم فمضغها، ثمّ أخذها من فيه فجعلها في في الصّبيّ وحنّكه به وسمّاه‏:‏ عبد اللّه»‏.‏ انظر‏:‏ ‏(‏تحنيك‏)‏

ثالثاً‏:‏ تسمية المولود

14 - تستحبّ تسميته باسم مستحبّ، لما رواه سمرة عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «أنّه قال‏:‏ الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السّابع، ويسمّى ويحلق رأسه»‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏تسمية‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ عقيقة المولود

15 - العقيقة لغةً‏:‏ معناها القطع‏.‏

وشرعاً‏:‏ ما يذبح عن المولود شكراً للّه تعالى‏.‏

وذلك لما رواه البخاريّ في صحيحه عن سلمان بن عامر الضّبّيّ قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى»‏.‏

ولما روته عائشة رضي الله عنها «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام‏:‏ شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة»‏.‏

واختلف الفقهاء في حكمها‏:‏

فذهب مالك والشّافعيّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجماعة إلى استحبابها‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إنّ العقيقة نسخت بالأضحيّة، فمن شاء فعل، ومن شاء لم يفعل‏.‏

خامساً‏:‏ الختان

16 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة، وأحمد في رواية عنه إلى أنّ الختان سنّة في حقّ الرّجال، وذهب الشّافعيّة والحنابلة - في المعتمد - إلى أنّ الختان واجب على الرّجال والنّساء‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏ختان‏)‏‏.‏

حقوق الصّغير

من حقوق الصّغير ما يأتي‏:‏

17 - أ - أن ينسب إلى أبيه، وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏نسب‏)‏‏.‏

ب - أن ينفق عليه، وينظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏نفقة‏)‏‏.‏

ج - تعليمه وتأديبه، وينظر تفصيل ذلك في مصطلحي‏:‏ ‏(‏تعليم، وتأديب‏)‏‏.‏

ما يتعلّق بذمّه الصّغير ماليّاً

18 - يتعلّق بذمّته ما يلي‏:‏ قيمة المتلفات، والنّفقة الواجبة عليه، والعشر، والخراج، وزكاة المال، وصدقة الفطر، والأضحيّة، على تفصيل وخلاف ينظر في المصطلحات الخاصّة بها، ويطالب الوليّ أو الوصيّ بتنفيذ هذه الالتزامات من مال الصّغير‏.‏

الولاية على الصّغير

19 - الولاية في اللّغة‏:‏ القيام بالأمر أو عليه، وقيل‏:‏ هي النّصرة والمعونة‏.‏

والّذي يفهم من كلام الفقهاء أنّ الولاية‏:‏ هي سلطة شرعيّة يتمكّن بها صاحبها من القيام على شؤون الصّغار الشّخصيّة والماليّة‏.‏

وتبدأ الولاية الشّرعيّة على الصّغير منذ ولادته إلى أن يبلغ رشيداً، ومن هذا يتبيّن أنّ الولاية تكون على الصّغير غير المميّز وعلى الصّغير المميّز‏.‏

وبالجملة فالولاية واجبة لمصلحة كلّ قاصر، سواء كان صغيراً أو غير صغير‏.‏

أقسام الولاية

تنقسم الولاية بحسب السّلطة المخوّلة للوليّ إلى قسمين‏:‏ ولاية على النّفس، وولاية على المال‏.‏

أ - الولاية على النّفس‏:‏

20 - يقوم الوليّ بمقتضاها بالإشراف على شؤون الصّغير الشّخصيّة، مثل‏:‏ التّأديب والتّعليم والتّطبيب إلى آخر ما يتعلّق بذلك من أمور، وكذا تزويج الصّغير والصّغيرة، فالتّزويج من باب الولاية على النّفس‏.‏

ب - الولاية على المال‏:‏

21 - يقوم الوليّ بمقتضاها بالإشراف على شؤون الصّغير الماليّة‏:‏ من إنفاق، وإبرام عقود، والعمل على حفظ ماله واستثماره وتنميته‏.‏

وللفقهاء خلاف وتفصيل في تقسيم الأولياء ومراتبهم، ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏ولاية‏)‏‏.‏

تأديب الصّغار وتعليمهم

22 - يجب على الوليّ تأديب الصّغار بالآداب الشّرعية، الّتي تغرس في نفس الطفل الأخلاق الكريمة والسّلوك القويم، كالأمر بأداء الصّلاة وغيرها مما هو في طوقه‏:‏ ينظر التفصيل في‏:‏ ‏(‏تأديب، تعليم‏)‏‏.‏

تطبيب الصّغير

23 - للوليّ على النّفس ولاية علاج الصّغير وتطبيبه وختانه، لأنّ هذه الأشياء من أهمّ الأمور اللاّزمة للصّغار لتعلقها بصحته ويتحقق هذا بالإذن للطبيب في تقديم العلاج اللاّزم للصّغار، والإذن في إجراء العمليات الجراحية لهم‏.‏

قال الفقهاء‏:‏ هذا خاصّ بالوليّ على النّفس، وليس للوليّ على المال ذلك، فلو أذن الوليّ على المال للطبيب بإجراء عمليّة للصّغير فهلك، فعلى الوليّ الدّية لتعديه، أما إن كانت هناك ضرورة ملحّة في إجراء العمليّة لإنقاذ حياة الصّغير، وتغيّب الوليّ على النّفس فللوليّ على المال الإذن في إجراء العمليّة، أو لأيّ أحد من عموم المسلمين، لأنّ إنقاذ الآدميّ واجب على كلّ مسلم‏.‏

تصرّفات الوليّ الماليّة

24 - اتّفق الفقهاء على أنّ الوليّ يتصرّف وجوباً في مال الصّغير بمقتضى المصلحة وعدم الضّرر، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏}‏‏.‏

وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ‏}‏‏.‏

كما أنّهم اتّفقوا على أنّ الغنيّ لا يأكل من مال اليتيم، وللفقير أن يأكل بالمعروف من غير إسراف لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏}‏‏.‏ وروى الشّيخان عن عائشة‏:‏ «أنّها نزلت في مال اليتيم إذا كان فقيراً، أنّه يأكل منه مكان قيامه عليه بالمعروف»‏.‏ وورد «أنّ رجلاً سأل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إنّي فقير ليس لي شيء، ولي يتيم‏؟‏ قال‏:‏ كل من مال يتيمك غير مسرف، ولا مباذر، ولا متأثّل، ولا تخلط مالك بماله»‏.‏ وفي المسألة خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏ولاية‏)‏‏.‏

أحكام الصّغير في العبادات

الطّهارة

25 - تجب الطّهارة على كلّ من وجبت عليه الصّلاة إذا تحقّق سببها، أمّا الصّغير فلا تجب عليه الطّهارة، وإنّما يأمره الوليّ بها أمر تأديب وتعليم‏.‏

بول الصّغير

26 - اتّفق الفقهاء على أنّ الصّغير والصّغيرة إذا أكلا الطّعام وبلغا عامين فإنّ بولهما نجس كنجاسة بول الكبير، يجب غسل الثّوب إذا أصابه هذا البول، والدّليل على نجاسة البول ما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «استنزهوا من البول، فإنّ عامّة عذاب القبر منه»‏.‏

أمّا بول الصّغير والصّغيرة إذا لم يأكلا الطّعام، وكانا في فترة الرّضاعة، فعند الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ أنّه كغيره من النّجاسات في وجوب التّطهّر منه، لعموم الحديث السّابق‏.‏

إلاّ أنّ المالكيّة قالوا‏:‏ يعفى عمّا يصيب ثوب المرضعة أو جسدها من بول أو غائط الطّفل، سواء أكانت أمّه أم غيرها، إذا كانت تجتهد في درء النّجاسة عنها حال نزولها، بخلاف المفرّطة، لكن يندب غسله إن كثر‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى التّفريق بين بول الصّغير والصّغيرة، فإذا أصاب الثّوب بول الصّغير اكتفى بنضحه بالماء، وإذا أصاب الثّوب بول الصّغيرة وجب غسله، لحديث «أمّ قيس بنت محصن أنّها‏:‏ أتت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطّعام، فبال في حجر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فدعا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه على ثوبه ولم يغسله غسلاً» ولحديث‏:‏ «يغسل من بول الجارية ويرشّ من بول الغلام ‏.‏

وكلّ ما ذكر من اتّفاق واختلاف بين الفقهاء في بول الصّغير والصّغيرة، ينطبق تماماً على قيء الصّغير والصّغيرة‏.‏

أذان الصّبيّ

27 - اتّفق الفقهاء على عدم صحّة أذان الصّبيّ غير المميّز، لأنّه لا يدرك ما يفعله، ثمّ اختلفوا في أذان الصّبيّ المميّز‏:‏

فقال المالكيّة‏:‏ لا يصحّ أذانه إلاّ إذا اعتمد على بالغ في إخباره بدخول الوقت فإن أذّن الصّغير بلا اعتماد على بالغ وجب على البالغين إعادة الآذان‏.‏

أمّا عند الجمهور‏:‏ فيصحّ أذان الصّبيّ المميّز‏.‏ وينظر التّفصيل في‏:‏ ‏(‏أذان‏)‏‏.‏

صلاة الصّغير

28 - لا تجب الصّلاة على الصّبيّ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «رفع القلم عن ثلاثة‏:‏ عن المجنون المغلوب على عقله حتّى يفيق، وعن النّائم حتّى يستيقظ، وعن الصّبيّ حتّى يحتلم»‏.‏

ولكن يؤمر الصّغير ذكراً كان أو أنثى بالصّلاة تعويداً له إذا بلغ سبع سنين، ويضرب عليها لعشر سنين، زجراً له لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «مروا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفرّقوا بينهم في المضاجع»‏.‏

عورة الصّغير

29 - من شروط صحّة الصّلاة ستر العورة، ولقد تكلّم الفقهاء عن تحديد عورة الكبار من الرّجال والنّساء وكيفيّة سترها، كما تكلّموا عن تحديد عورة الصّغار من الذّكور والإناث في الصّلاة وخارجها‏.‏

ولقد اختلف الفقهاء في تحديد عورة الصّغار وفيما يلي بيان أقوالهم من خلال مذاهبهم‏:‏

أوّلاً - الحنفيّة‏:‏

لا عورة للصّغير الّذي لم يبلغ أربع سنين، فيباح النّظر إلى بدنه ومسّه، أمّا من بلغ أربعاً فأكثر، ولم يشته فعورته القبل والدّبر، ثمّ تغلظ عورته إلى عشر سنين‏.‏ أي تعتبر عورته‏:‏ الدّبر وما حوله من الأليتين، والقبل وما حوله‏.‏ وبعد العاشرة‏:‏ تعتبر عورته من السّرّة إلى الرّكبة كعورة البالغ في الصّلاة وخارجها، إذا كان ذكراً‏.‏ وإن كانت أنثى بالغةً فجسدها كلّه عورة إلاّ الوجه والكفّين وباطن القدمين‏.‏

ثانياً - المالكيّة‏:‏

يفرّق المالكيّة بين الذّكر والأنثى‏:‏

أ - في الصّلاة‏:‏

عورة الصّغير المأمور بالصّلاة، وهو بعد تمام السّبع هي‏:‏ السّوأتان، والأليتان، والعانة، والفخذ، فيندب له سترها كحالة السّتر المطلوب من البالغ‏.‏

وعورة الصّغيرة المأمورة بالصّلاة‏:‏ ما بين السّرّة والرّكبة، ويندب لها سترها كالسّتر المطلوب من البالغة‏.‏

ب - خارج الصّلاة‏:‏

ابن ثمان سنين فأقلّ لا عورة له، فيجوز للمرأة النّظر إلى جميع بدنه وتغسيله ميّتاً‏.‏

وابن تسع إلى اثنتي عشرة سنةً يجوز لها النّظر إلى جميع بدنه، ولكن لا يجوز تغسيله، وابن ثلاث عشرة سنةً فأكثر عورته كعورة الرّجال‏.‏

وبنت سنتين وثمانية أشهر لا عورة لها وبنت ثلاث سنين إلى أربع لا عورة لها في النّظر، فينظر إلى بدنها ولها عورة في المسّ، فليس للرّجل أن يغسّلها، والمشتهاة بنت سبع سنوات لا يجوز للرّجل النّظر إلى عورتها، ولا تغسيلها‏.‏

ثالثاً - الشّافعيّة‏:‏

عورة الصّغير ولو غير مميّز كالرّجل ‏"‏ ما بين السّرّة والرّكبة ‏"‏، وعورة الصّغيرة كالكبيرة أيضاً في الصّلاة وخارجها‏.‏

رابعاً - الحنابلة‏:‏

لا عورة للصّغير الّذي لم يبلغ سبع سنين، فيباح النّظر إليه ومسّ جميع بدنه‏.‏

وابن سبع إلى عشر عورته الفرجان فقط، في الصّلاة وخارجها‏.‏

وبنت سبع إلى عشر‏:‏ عورتها في الصّلاة ما بين السّرّة والرّكبة، ويستحبّ لها الاستتار وستر الرّأس كالبالغة احتياطاً، وأمام الأجانب‏:‏ عورتها جميع بدنها إلاّ الوجه، والرّقبة، والرّأس، واليدين إلى المرفقين، والسّاق، والقدم‏.‏ وبنت عشر كالكبيرة تماماً‏.‏

انعقاد الجماعة والإمامة بالصّغير

30 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة وأحمد - في إحدى الرّوايتين عنه - إلى انعقاد الجماعة بإمام وصبيّ فرضاً ونفلاً، «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمّ ابن عبّاس وهو صبيّ في التّهجّد»‏.‏

أمّا عند المالكيّة، والرّواية الثّانية عن أحمد‏:‏ فلا تنعقد الجماعة بصغير في فرض‏.‏

أمّا إمامة الصّغير المميّز فقد اختلف الفقهاء في حكمها‏.‏ وينظر التّفصيل في‏:‏ ‏(‏إمامة‏)‏‏.‏

غسل المولود والصّلاة عليه

31 - اتّفق الفقهاء على وجوب غسل الصّغير إن ولد حيّاً ثمّ مات‏.‏

وينظر‏:‏ التّفصيل في ‏(‏تغسيل الميّت، استهلال‏)‏‏.‏

الزّكاة في مال الصّبيّ

32 - اختلف الفقهاء في هذه المسألة‏:‏ فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى وجوبها في مال الصّغير مطلقاً‏.‏

وذهب الحنفيّة‏:‏ إلى وجوبها في مال الصّغير إذا كان المال زروعاً وثماراً وعدم وجوبها في بقيّة أمواله‏.‏

صوم الصّغير

33 - لا يجب الصّوم إلاّ ببلوغ الصّغير والصّغيرة، لأنّ الصّوم عبادة فيها مشقّة عظيمة على الصّغار، ولم يكلّفوا بأدائها شرعاً لعدم صلاحيتهم لذلك، فإن صام الصّغير صحّ صومه، وينبغي للوليّ أن يأمره بالصّوم إذا بلغ سبع سنوات، ويضربه إذا بلغ عشر سنوات لكي يعتاد على الصّوم، بشرط أن يكون الصّغير يتحمّل أداء الصّوم بلا مشقّة، فإن كان لا يطيقه فلا يجب على وليّه أمره بالصّوم‏.‏ وينظر التّفصيل في‏:‏ ‏(‏صوم‏)‏‏.‏

حجّ الصّبيّ

34 - اتّفق الفقهاء على أنّ الحجّ غير واجب على الصّبيّ وإن كان مستطيعاً إلاّ أنّه يصحّ منه ويقع نفلاً، ولا يجزئ عن حجّة الإسلام‏.‏ ‏(‏ينظر التّفصيل في حجّ‏)‏‏.‏

يمين الصّغير ونذره

35 - لا ينعقد يمين الصّبيّ ولا نذره، لأنّه غير مكلّف، يستوي في هذا الحكم الصّبيّ المميّز وغير المميّز‏.‏ انظر‏:‏ ‏(‏أيمان، ونذر‏)‏‏.‏

استئذان الصّغير

36 - ذهب الجمهور‏:‏ عبد اللّه بن عبّاس، وعبد اللّه بن مسعود، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس بن كيسان، والحنفيّة، والمالكيّة وغيرهم ‏"‏ إلى وجوب أمر الصّغير المميّز بالاستئذان قبل الدّخول، في الأوقات الثّلاثة الّتي هي مظنّة كشف العورات، لأنّ العادة جرت بتخفّف النّاس فيها من الثّياب‏.‏

ولا حرج عليه في ترك الاستئذان في غير هذه الأوقات الثّلاثة، لما في ذلك من الحرج في الاستئذان عند كلّ خروج ودخول‏.‏ والصّغير ممّن يكثر دخوله وخروجه، فهو من الطّوّافين‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏

وذهب أبو قلابة إلى أنّ استئذان هؤلاء في هذه الأوقات الثّلاثة مندوب غير واجب، فكان يقول‏:‏ ‏"‏ إنّما أمروا بهذا نظراً لهم ‏"‏‏.‏

أحكام الصّغير في المعاملات

أ - وقت تسليم الصّغير أمواله‏:‏

37 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا تسلّم للصّغير أمواله حتّى يبلغ راشداً، لأنّ اللّه تعالى علّق دفع المال إليه على شرطين‏:‏ هما البلوغ، والرّشد في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏ والحكم المعلّق على شرطين لا يثبت بدونهما‏.‏

فإذا بلغ الصّغير فإمّا أن يبلغ رشيداً أو غير رشيد‏.‏

فإن بلغ رشيداً مصلحاً للمال دفع إليه ماله، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ‏}‏ وفي سنن أبي داود‏:‏ «لا يُتْم بعد احتلام»‏.‏ وإذا دفع إليه ماله أشهد عليه عند الدّفع لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ‏}‏‏.‏

وللصّغيرة أحكام من حيث وقت ترشيدها وينظر في‏:‏ ‏(‏حجر، ورشد‏)‏‏.‏

38 - وإن بلغ الصّغير غير رشيد فلا تسلّم إليه أمواله بل يحجر عليه بسبب السّفه باتّفاق المذاهب، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً‏}‏‏.‏

إلاّ أنّ أبا حنيفة قال‏:‏ يستمرّ الحجر على البالغ غير الرّشيد إلى بلوغه خمساً وعشرين سنةً ثمّ يسلّم إليه ماله ولو لم يرشد، لأنّ في الحجر عليه بعد هذه السّنّ إهداراً لكرامته الإنسانيّة ولقوله تعالى ‏{‏وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ‏}‏‏.‏

وتمام هذه المسألة يعرف في مصطلح‏:‏ ‏(‏حجر، ورشد‏)‏‏.‏

ب - الإذن للصّغير بالتجارة‏:‏

39 - اتّفق الفقهاء على اختبار المميّز في التّصرفات، لمعرفة رشده، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا اليَتَامَى‏}‏ أي اختبروهم، واختباره بتفويض التّصرفات الّتي يتصرف فيها أمثاله، فإن كان من أولاد التّجار اختبر بالمماكسة في البيع والشّراء، وإن كان من أولاد الزّراع اختبر بالزّراعة، وإن كان من أولاد أصحاب الحرف اختبر بالحرفة، والمرأة تختبر في شئون البيت من غزل وطهي طعام وصيانته وشراء لوازم البيت ونحوها‏.‏

واختلفوا في إذن الوليّ للصّغير بالتّجارة وفي أثر الإذن على التّصرفات‏.‏

قال الحنفيّة والمالكيّة - في المعتمد عندهم - والحنابلة - في الرواية الرّاجحة - يجوز لوليّ المال الإذن للصّغير في التّجارة إذا أنس منه الخبرة لتدريبه على طرق المكاسب، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَابْتَلُوا اليَتَامَى‏}‏ أي اختبروهم لتعلموا رشدهم، وإنّما يتحقق الاختبار بتفويض التّصرف إليهم في البيع والشّراء، ولأنّ المميّز عاقل محجور عليه فيرتفع حجره بإذن وليّه، ويصح تصرفه بهذا الإذن فلو تصرف بلا إذن لم يصح عند الحنابلة - في إحدى الروايات عنهم - ولم ينفذ عند المالكيّة والحنفيّة والرواية الأخرى عند الحنابلة‏.‏

والإذن عند الحنفيّة والمالكيّة قد يكون صريحاً، مثل‏:‏ أذنت لك في التّجارة، أو دلالة كما لو رآه يبيع ويشتري فسكت، لأنّ سكوته دليل الرضا، ولو لم يعتبر سكوته لأدى إلى الإضرار بمن يعاملونه‏.‏

وقال الحنابلة وزفر - من الحنفيّة -‏:‏ لا يثبت الإذن بالدلالة، لأنّ سكوته محتمل للرضا ولعدم الرضا‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ لايجوز الإذن له في التّجارة، وإنّما يسلّم إليه المال ويمتحن في المماكسة‏.‏ فإذا أراد العقد عقد الوليّ عنه، لأنّ تصرفاته وعقوده باطلة لعدم توافر العقل الكافي لتقدير المصلحة في مباشرة التّصرف، فلا يثبت له أحكام العقلاء قبل وجود مظنّة كمال العقل‏.‏

الوصيّة من الصّغير

40 - اتّفق الحنفيّة والشّافعيّة‏:‏ - في أرجح القولين عندهم - على اشتراط البلوغ لصحّة الوصيّة، فلا تصحّ وصيّة الصّبيّ المميّز وغير المميّز، ولو كان مميّزاً مأذوناً له في التّجارة، لأنّ الوصيّة من التّصرّفات الضّارّة ضرراً محضاً، إذ هي تبرّع، كما أنّها ليست من أعمال التّجارة‏.‏

وأجاز الحنفيّة وصيّة المميّز وهو من أتمّ السّابعة إذا كانت لتجهيزه وتكفينه ودفنه، لأنّ عمر رضي الله عنه أجاز وصيّة صبيّ من غسّان له عشر سنين أوصى لأخواله، ولأنّه لا ضرر على الصّبيّ في جواز وصيّته، لأنّ المال سيبقى على ملكه مدّة حياته وله الرّجوع عن وصيّته‏.‏

وأجاز المالكيّة والحنابلة وصيّة المميّز، وهو ابن عشر سنين فأقلّ ممّا يقاربها، دون غير المميّز، إذا عقل المميّز القربة، لأنّها تصرّف يحقّق نفعاً له في الآخرة بالثّواب، فصحّ منه كالإسلام والصّلاة‏.‏

قبول الصّغير للوصيّة

41 - اتّفق الفقهاء على أنّ الموصى له إن كان صغيراً غير مميّز فليس له حقّ القبول أو الرّدّ، لأنّ عبارته ملغاة، وإنّما يقبل عنه وليّه أو يردّ عنه‏.‏

واختلف الفقهاء في ناقص الأهليّة - وهو الصّبيّ المميّز - فقال الحنفيّة‏:‏ له القبول، لأنّ الوصيّة نفع محض له كالهبة والاستحقاق في الوقف، وليس له ولا لوليّه الرّدّ، لأنّه ضرر محض فلا يملكونه‏.‏

وقال الجمهور‏:‏ أمر القبول والرّدّ عن ناقص الأهليّة لوليّه يفعل ما فيه المصلحة‏.‏

تزويج الصّغير

42 - للصّغير سواء كان ذكراً أو أنثى الزّواج قبل البلوغ، ولكن لا يباشر عقد الزّواج بنفسه، بل يقوم وليّه بمباشرة العقد وتزويجه، فإن كان المزوّج ذكراً يجب على وليّه تزويجه بمهر المثل، وإن كانت أنثى زوّجت من إنسان صالح يحافظ عليها ويدبّر شؤونها‏.‏ انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏نكاح‏)‏‏:‏

طلاق الصّغير

43 - الطّلاق رفع قيد الزّواج ويترتّب عليه التزامات ماليّة، فلذلك لا يصحّ طلاق الصّبيّ مميّزاً أو غير مميّز، وأجاز الحنابلة طلاق مميّز يعقل الطّلاق ولو كان دون عشر سنين، بأن يعلم أنّ زوجته تبين منه وتحرّم عليه إذا طلّقها، ويصحّ توكيل المميّز في الطّلاق وتوكّله فيه، لأنّ من صحّ منه مباشرة شيء، صحّ أن يوكّل وأن يتوكّل فيه، ولا يصحّ عند الفقهاء أن يطلّق الوليّ على الصّبيّ بلا عوض لأنّ الطّلاق ضرر‏.‏

عدّة الصّغيرة من طلاق أو وفاة

44 - العدّة واجبة على كلّ امرأة فارقها زوجها بطلاق أو وفاة، كبيرةً أو صغيرةً، ولمّا كان زواج الصّغيرة جائزاً صحّ إيقاع الطّلاق عليها، فإذا طلقت الصّغيرة فإنّ العدّة تلزمها، وتعتدّ ثلاثة أشهر إن كانت العدّة من طلاق‏.‏ والدّليل على ذلك‏:‏ «أنّ بعض الصّحابة سألوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن عدّة الصّغيرات فنزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ‏}‏»‏.‏

فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ‏}‏ محمول على الصّغيرات فتكون عدّتهنّ ثلاثة أشهر، وهذا باتّفاق الفقهاء‏.‏ وإن كانت العدّة من وفاة‏:‏ تكون أربعة أشهر وعشراً بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً‏}‏‏.‏

فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَزْوَاجاً‏}‏ لفظ عامّ يشمل الكبيرات والصّغيرات، فتكون عدّة الصّغيرات أربعة أشهر وعشراً‏.‏ وللصّغيرة في العدّة حقّ النّفقة والسّكنى على زوجها المطلّق على تفصيل في المذاهب يعرف في مصطلح‏:‏ ‏(‏عدّة‏)‏‏.‏

قضاء الصّغير

45 - اتّفق الفقهاء على عدم صحّة تولية الصّغير القضاء، وبالتّالي لا يصحّ قضاؤه‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏قضاء‏)‏‏.‏

شهادة الصّغير

46 - يشترط أن يكون الشّاهد عاقلاً بالغاً باتّفاق الفقهاء، فلا تقبل شهادة الطّفل، لأنّه لا تحصل الثّقة بقوله، ولا تقبل شهادة الصّغير غير البالغ، لأنّه لا يتمكّن من أداء الشّهادة على الوجه المطلوب، ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ ‏}‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء‏}‏ والصّغير ممّن لا ترضى شهادته، ولأنّ الصّغير لا يأثم بكتمان الشّهادة، فدلّ على أنّه ليس بشاهد‏.‏

وأمّا شهادة الصّبيان بعضهم على بعض فتجوز عند الإمام مالك في الجراح، وفي القتل، خلافاً لجمهور الفقهاء‏.‏

أحكام الصّغير في العقوبات

47 - لقد قسّم الفقهاء مراحل الصّغر إلى قسمين رئيسيّين‏:‏

الأوّل‏:‏ الصّغير غير المميّز وهذا لا تطبّق عليه عقوبة من العقوبات البدنيّة أصلاً، لانعدام مسئوليّته‏.‏

الثّاني‏:‏ الصّبيّ المميّز لا تطبّق عليه الحدود والقصاص، ولكن يؤدّب على ما ارتكب بما يتناسب مع صغر سنّه، بالتّوبيخ والضّرب غير المتلف أمّا إذا ارتكب الصّغير فعلاً من شأنه إتلاف مال الغير، وجب عليه ضمان ما أتلفه من ماله، وكذا لو قتل إنساناً خطأً وجبت الدّية في ماله، هذا هو المبدأ العامّ الّذي يحدّد علاقة الصّغار بالعقوبات‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏جناية - دية - قصاص‏)‏‏.‏

حقّ الصّغير في استيفاء القصاص

48 - حقّ استيفاء القصاص يثبت لأولياء المقتول ‏"‏ ورثته ‏"‏ والأولياء قد يكونون جماعةً، أو يكون واحداً منفرداً، والجماعة قد يكونون جميعاً كباراً، أو كباراً وصغاراً‏.‏ والواحد المنفرد قد يكون كبيراً أو صغيراً‏.‏

أوّلاً‏:‏ إذا كان وليّ الدّم صغيراً منفرداً

49 - اختلف الفقهاء في انتظار بلوغه‏:‏ فعند الحنفيّة روايتان إحداهما‏:‏ ينتظر بلوغه‏.‏ والثّانية‏:‏ يستوفي القاضي القصاص نيابةً عن الصّغير‏.‏

أمّا عند المالكيّة‏:‏ لا ينتظر البلوغ، ولوليّ الصّغير أو وصيّه النّظر بالمصلحة في استيفاء القصاص أو في أخذ الدّية كاملةً‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ ينتظر بلوغ الصّغير، لأنّ القصاص للتّشفّي، فحقّه التّفويض إلى اختيار المستحقّ، فلا يحصل المقصود باستيفاء غيره من وليّ أو حاكم أو بقيّة الورثة‏.‏

ثانياً‏:‏ إذا كان الصّغير مشتركاً مع جماعة كبار

فللكبار استيفاء القصاص عند أبي حنيفة ومالك، ولا ينتظر بلوغ الصّغير لثبوت حقّ القصاص للورثة ابتداءً على سبيل الكمال والاستقلال، ولأنّ القصاص حقّ لا يتجزّأ، لثبوته بسبب لا يتجزّأ، وهو القرابة‏.‏ انظر‏:‏ ‏(‏قصاص‏)‏‏.‏

صغير

انظر‏:‏ صغر‏.‏

صفا

انظر‏:‏ سعي‏.‏